
|
طودٌ منيفٌ وغوث ٌ نستغيثُ به دنيا وأخري إذا ضاقت عُري الحيلُ
جريدة شهريه تصدرها رابطة شباب الطريقة السمانية بالكد يوه
===========================================================
ديسمبر 2016 ربيع الاول – ربيع
الثاني 1438 هـ العدد 142
في هذا العدد
التصوف: فقه القلوب
من قواعد الأصول الفقهية أن الحكم على الشيء فرع
عن تصوره والتصوف هو : (علم بأصول يعرف بها صلاح القلب و سائر الجوارح ). إن التصوف
يُعنى بفقه القلوب ، والقلب وقعت عليه جملة من الأوامروالنواهي الشرعية التي تجعله
إن هو امتثل أمر الله قلباً منوراً وأهلا لأن يكون محل نظر الله كما جاء ذلك
في الحديث والأوامر مثل الإخلاص ، المحبة ، الصدق ، الخشوع ، ..
إلخ والنواهي مثل :الرياء ، العجب ، الحسد ، ... إلخ إذا أدركنا
معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ،
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " رواه البخاري في كتاب
الإيمان وإذا علمنا أن الجوارح تتحرك وفق ما يمليه عليها القلب إذ هو المحرك
لهاوهي تابعة له ، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصحابة
رضي الله عنهم أهمية تنقية القلب وتزكية النفس حين قال
" إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن
ينظر إلى قلوبكم " أخرجه مسلم في صحيحه من أجل ذلك فإن الكنز
الذي ينفع الإنسان يوم القيامة هو القلب المملوء بمحبة الله المعافى من
الأمراض قال تعالى " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب
سليم" لذلك كان التصوف بما يحمله من أهمية لربط الإنسان
بربه عبر التزكية المخاطب بها كل المكلفين وتعليق الفلاح في الآخرة عليهم
" قد أفلح من زكاها " والخسران والهلاك على من أتبع نفسه هواها
" وقد خاب من دساها " .من هنا كان التصوف - معرفته وسلوكه – من الفروض
العينية على كل مسلم بالغ عاقل ، وهذا ما قاله السادة علماء الدين رضي الله
عنهم وعلى رأسهم الإمام الغزالي رحمه الله والإمام جلال الدين السيوطي رحمه
الله وغيرهم من أجلاءالعلماء وسأقوم بنقل كلام الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة
السلف الصالح في شأن التصوف.
أقوال
في التصوف
الإمام الغزالي والأئمة الأربعة والإمام الفخر
الرازي والإمام النووي والإمام الشاطبي
ها هوذا حجة الاسلام الامام أبوحامد الغزالي رحمه
الله تعالى يتحدث في كتابه "المنقذ من الضلال" عن الصوفية وعن سلوكهم
وطريقتهم الحقة الموصلة إلى الله تعالى فيقول:
( ولقد
علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة
وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق...ثم يقول ردا على من أنكر على الصوفية
وتهجم عليهم: وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها- وهي أول شروطها-
تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة
استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله. )
ويقول أيضاً بعد أن اختبر طريق التصوف ولمس نتائجه
وذاق ثمراته: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا يخلوأحد من عيب إلا الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام).
- وروي عن الإمام مالك:
" من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه
فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق "
نقلاً عن حاشية العدوى على الزرقاني 2 / 195 .
وشرح عين العلم وزين الحلم للملا علي القاري 1 / 33 .
- والإمام الشافعي يقول :
: (صحبت الصوفية فلم استفد منهم سوى حرفين، وفي
رواية سوى ثلاث كلمات: قولهم: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك. وقولهم: نفسك إن لم
تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وقولهم: العدم عصمة). المصدر "تأييد الحقيقة
العلية" للامام جلال الدين السيوطي.
وقال أيضاً : حبب إليّ من دنياكم ثلاث : ترك
التكلف ، وعشرة الخلق بالتلطف ، والاقتداء بطريق أهل التصوف . نقلاً عن تأييد
الحقيقة العلية للسيوطي ص 15 وكشف الخفا للعجلوني 1 / 408
أما الإمام أحمد كان يقول لولده قبل أن يصاحب
الصوفية: " يا ولدي عليك بالحديث، وإياك و مجالسةهؤلاء الذين سموا أنفسهم
صوفية، فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه". فلما صحب أبا حمزة
البغدادي، و عرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده:" يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء
القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم و المراقبة و الخشية و الزهد و علو الهمة.»
(عبد القادر عيسى، حقائق عن التصوف باب شهادات علماء الأمة الإسلامية من سلفها إلى
خلفها للتصوف ورجاله. 567–)
وسُئل مرة عن الصوفية أنهم يسمعون ويتواجدونفقال
" دعوهم يفرحون مع الله ساعة " .
من كتاب غذاء الألباب بشرح منظومة الآداب للعلامة
محمد السفاريني 1 / 120
الإمام فخر الدين الرازي
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الامام فخر
الدين الرازي رحمه الله تعالى في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين":
"الباب الثامن في أحوال الصوفية: اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر
الصوفية وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هوالتصفية
والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن.. وقال أيضا: والمتصوفة قوم يشتغلون
بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألا يخلوسرهم وبالهم عن ذكر
الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل،
وهؤلاء هم خير فرق الآدميين ) من كتاب اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص 72 .
- واسمع كلام النووي عن التصوف وتمعن في كلامه تنتفع
بإذن الله . قال رحمه الله : " أصول طريقة التصوف خمسة : تقوى الله في السر
والعلانية ، اتباع السنّة في الأقوال والأفعال ، الإعراض عن الخلق في الإقبال
والإدبار ، الرضى عن الله تعالى بالقليل والكثير ، الرجوع إلى الله تعالى في
السراء والضراء " .
- وهاك قول الشاطبي المعروف بدقته وتمحيصه:
" إن كثير من الجهال يعتقدون في الصوفية أنهم
متساهلون في الإتباع ، والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون
عليه وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به . فأول شيء بنوا عليه طريقهم اتباع
السنّة واجتناب ما خالفها ، حتى زعم مذكِّرهم وحافظ مأخذهم وعمود نحلتهم أبو
القاسم القشيري : أنهم اختصوا باسم التصوف انفراداً به من أهل البدع ، فذكر أن
المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمّ أفاضلهم في عصرهم باسم علم سوى
الصحبة ، إذ لا فضيلة فوقها ، ثم سمي من يليهم بـ " التابعين " ثم اختلف
الناس وتباينت المراتب ،فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية في الدين الزهاد
والعباد قال أي القشيري ثم ظهرت البدع وادعى كل فريق أن فيهم زهاداً وعباداً
فانفرد خواص أهل السنّة المراقبون الله في كل نفس والحافظون قلوبهم عن الغفلة
انفرد باسم " التصوف " فتأمل تغنم والله أعلم
■ العلامة
الشريف الجرجاني في (التعريفات):
التصوف مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل،
وهو تصفية القلب عن مواقف البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد صفات البشرية،
ومجانبة الدعاوي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بعلوم الحقيقة
واستعمال ما هو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله تعلى على
الحقيقة، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشريعة.
■ الدكتور
أبو الوفا التفتازاني:
في كتابه (مدخل إلى التصوف الإسلامي): ليس التصوف
هروبا من واقع الحياة كما يقول خصومه، وإنما هو محاولة الإنسان للتسلح بقيم روحية
جديدة، تعينه على مواجهة الحياة المادية، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه
مصاعبها ومشكلاتها.
■ ابن
خلدون (توفي 808 هـ):
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في كلامه عن علم
التصوف: (هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء
القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق
والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع الى الله تعالى، والإعراض عن زخرف
الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن
الخلق في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على
الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون
على العبادة باسم الصوفية) المصدر: مقدمة ابن خلدون.
■الشيخ محمد أبو زهرة:
نحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إلى متصوف بنظام
التصوف الحقيقي وذلك لأن شبابنا قد استهوته الأهواء وسيطرت على قلبه الشهوات..
وإذا سيطرت الأهواء والشهوات على جيل من الأجيال أصبحت خطب الخطباء لا تجدي،
وكتابة الكتاب لا تجدي، ومواعظ الوعاظ لا تجدي، وحكم العلماء لا تجدي، وأصبحت كل
وسائل الهداية لا تجدي شيئا.
إذا لا بد لنا من طريق آخر للإصلاح، هذا الطريق أن
نتجه إلى الاستيلاء على نفوس الشباب، وهذا الاستيلاء يكون بطريق الشيخ ومريديه،
بحيث يكون في كل قرية وفي كل حي من أحياء المدن وفي كل بيئة علمية أو اجتماعية
رجال يقفون موقف الشيخ الصوفي من مريديه
وقال العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله
تعالى عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي رحمه الله تعالى أن الامام أحمد رحمه الله
تعالى قال عن الصوفية: (لا أعلم قوما أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون،
قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة...). المصدر:"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب"
■ الشيخ تاج الدين السبكي (توفي سنة 771 هـ)
وقال الشيخ تاج الدين عبد الوهاب السبكي رحمه الله
تعالى: في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم" تحت عنوان الصوفية: (حياهم
الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبا ناشئا عن
الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها، بحيث قال الشيخ أبومحمد الجويني: لا يصح
الوقف عليهم لأنه لا حد لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في
أغلب الأوقات بالعبادة... ثم تحدث عن تعاريف التصوف إلى أن قال: والحاصل أنهم أهل
الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم
وعنا بهم).
■ القاضي
شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله :
قال عن التصوف: (هوعلم تعرف به أحوال تزكية النفوس
وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية).
الإمام أبي القاسم القشيري (توفي سنة 465 هـ
ويقول أيضاً في "الرسالة القشيرية":
(اعلموا رحمكم الله، أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمّ
أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا أفضلية
فوقها، فقد قيل "الصحابة" ولما أدرك العصر الثاني، سمي من صحب الصحابة
"التابعين" ورأوا ذلك أشرف تسمية، ثم قيل لمن بعدهم "أتباع
التابعين" ثم اختلفت وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية
بأمر الدين "الزهاد والعباد" ثم ظهرت البدع وحصل التداعي بين الفرق، فكل
فريق ادعوا بأن منهم زهادا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله تعالى،
الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم "التصوف" واشتهر هذا الاسم لهؤلاء
الأكابر بعد المائتين للهجرة)
■ الشيخ
محمد متولي الشعراوي:
يقول فيما يرويه لنا كتاب (أصول الوصول) للشيخ زكي
إبراهيم: الصوفي يتقرب إلى الله بفروض الله، ثم يزيدها بسنة الرسول عليه الصلاة
والسلام، من جنس ما فرض الله، وأن يكون عنده صفاء في استقبال أقضية العبادة فيكون
صافيا لله، والصفاء هو كونك تصافي الله فيصافيك الله. والتصوف رياضة روحية لأنها
تلزم الإنسان بمنهج تعبدي لله ما فرضه. وهذه خطوة نحو الود مع الله. وهكذا يمن
الله تعالى هؤلاء المتصوفين ببعض العطاءات التي تثبت لهم أنهم على الطريق الصحيح،
تلك العطاءات هي طرق ناموس ما في الكون، ويكون ذلك على حسب قدر صفاء المؤمن، فقد يعطي
الله صفحة من صفحات الكون لأي إنسان، فينبئه به أو يبشره به ليجذبه إلى جهته.
وعندما يدخل الصوفي في مقامات متعددة وجئنا بمن لم يتريض ولم يدخل في مقامات الود
وحدثناه بها، فلا شك أنه يكذبها ولكن تكذيبها دليل حلاوتها. والمتصوف الحقيقي
يعطيه الله أشياء لا تصدقها عقول الآخرين، ولذلك فعليه أن يفرح بذلك ولا يغضب من
تكذيب الآخرين له.
■الاستاذ عبد الباري الندوي:
يقول في كتابه (بين التصوف والحياة)، في عدة صفحات
متفرقة من كتابه: يجب أن يعرف المسلمون أنه لا حظ لهم من الدنيا إذا لم يتمكن في
أعماق نفوسهم الإيمان الخالص. ومن الظلم والجور العظيمين أن تنفق في تحصيل العلم
الظاهر سنوات عديدة ولا تبذل لإصلاح الباطن عدة شهور، إن التصوف أو العلم الباطني
بالغ فيه الناس مبالغة عظيمة، وصوروه تصويرا شائها، وشرحوه شرحا طبعه بطابع
الضلالة إلا أنه قانون لأعمال القلب والباطن.. ونجد تفاصيل أحكام التصوف منصوصة في
الكتاب والسنة مثل ما نجد أحكام الفقه تماما وتتبين أهمية أحكام التصوف وأفضليته
من نصوص القرآن والحديث التي تصرح بها أو تلمح إليها.فإن أبى شخص أن يعترف بالتصوف
كعلم بعينه وفن بذاته فلم لا ينفر ويشمئز من المصطلحات الدينية الأخرى، من تفسير
ومفسر، وتجويد ومجود، وكلام ومتكلم، وغيرها، أما أولئك الذين رأوا التصوف والطريقة
والحقيقة والمعرفة ضدا للبشرية فهؤلاء الذين وقعوا في ضلالة أشد خطأ وأطم.
■ الفقيه
ابن عابدين (توفي سنة 1252 هـ):
وتحدث خاتمة المحققين العلامة الكبير والفقيه
الشهير الشيخ محمد أمين المشهور بابن عابدين رحمه الله تعالى في كتابه المسمى
"مجموعة رسائل ابن عابدين" الرسالة السابعة "شفاء العليل وبل
الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل" عن البدع الدخيلة على الدين مما
يجري في المآتم والختمات من قبل أشخاص تزيوا بزي العلم وانتحلوا اسم الصوفية، ثم
استدرك الكلام عن الصوفية الصادقين حتى لا يظن أنه يتكلم عنهم عامة فقال:
(ولا كلام لنا مع الصدق من ساداتنا الصوفية
المبرئين عن كل خصلة ردية، فقد سئل إمام الطائفتين سيدنا الجنيد: إن إقواما
يتواجدون ويتمايلون؟ فقال: دعوهم مع الله تعالى يفرحون، فانهم قوم قطعت الطريق
أكبادهم، ومزق النصب فؤادهم، وضاقوا ذرعا، فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواة لحالهم،
ولوذقت مذاقهم عذرتهم في صياحهم).
■ ابن
عجيبة :
(التصوف لب الإسلام، وهوعلم يعرف به كيفية السلوك
إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله
علم وأوسطه عمل وآخره موهبة. وأصله " أي التصوف" أن طريقة هؤلاء القوم
لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة التابعين، ومن بعدهم طريقة الحق والهداية
وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا
وزينتها، والزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة مال وجاه والانفراد عن الخلق،
والخلوة للعبادة، وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا
في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على
العبادة باسم الصوفية والمتصوفة، فمن هذه النصوص، يتبين لنا أن التصوف ليس أمرا
مستحدثا جديدا، ولكنه مأخوذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة أصحابه
الكرام، فالصحابة والتابعون وإن لم يتسموا باسم المتصوفين، كانوا صوفيين فعلا، وإن
لم يكونوا كذلك اسما).
■ الشيخ
ابن تيمية :
تحدث الشيخ أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى عن تمسك
الصوفية بالكتاب والسنة في الجزء العاشر من مجموع فتاويه فقال: (فأما المستقيمون
من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي
سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من
المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادرالجيلاني والشيخ حماد والشيخ أبي البيان، وغيرهم
من المتأخرين، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج
عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت.
وهذا هوالحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهذا كثير في كلامهم).
■ الشيخ
رشيد رضا رحمه الله
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى (لقد انفرد
الصوفية بركن عظيم من أركان الدين،لا يطاولهم فيهمطاول، وهو التهذيب علماً وتخلقاً
وتحققاً، ثم لما دونت العلوم في الملة، كتب شيوخهذه الطائفة في الأخلاق ومحاسبة
النفس..) .
مجلة المنار السنة الأولىص726 من كتاب حقائق عن
التصوف
■ الشيخ محمد
سعيد رمضان البوطي حفظه الله:
مقتطفات من إجاباته على أسئلة الزوار في موقعه على
الإنترنت :
الصوفية تعني العمل على تصفية النفس من أخلاقها
الذميمة عن طريق كثرة الذكر، وكثرة الالتجاء إلى الله بالدعاء. أما تخلص الإنسان
من ارتكاب المحرمات، فذلك لا يتحقق إلا للرسل والأنبياء أما غيرهم ، فيظلون
معرضين للمعاصي ، وكل بني آدام خطاء وخير الخطائين التوابون.
كلمة (التصوف) تعني العمل على تطهير النفس
من الصفات المذمومة، وهذا هو لب الإسلام وجوهره، وكلمة (التصوف) ككلمة
(التزكية) الواردة في القرآن كلاهما بمعنى واحد. وعلى هذا فكل مسلم صادق في
إسلامه مستجيب لأوامر الله الواردة في كتابه، لابدَّ أن يكون متصوفاً أو بتعبير
آخر مهتماً بتزكية نفسه.
الصوفية المنضبطة بالكتاب والسنة لبّ الإسلام
وجوهره.
علماء التصوف كعلماء الشريعة، وكعلماء الأدب واللغة
العربية... إلخ، فكما أن في هؤلاء العلماء من يخطئ في الفتوى وفي التعليم، بل قد
تجد فيهم من يدجّل، فكذلك في علماء التصوف من أخطؤوا في فهمه أو فهم جوانب
منه، بل ربما تجد فيهم دجاجلة كاذبين. إذن التصوف من حيث هو ليس خطأ والمتصوفة
ليسوا مخطئين ولكن كثيراً ما يتسرب إليهم جاهلون أو دجالون.
الطُّرق الصُّوفية يحكم لها أو عليها حسب موافقتها
أو مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي دلَّ عليها كتاب الله وسنّة رسوله. إن
هذه الطُّرق، على تنوُّعها واختلافها، لا تخرج عن كونها مناهج متعددة ومختلفة
إلى تربية النفس وتطهيرها من الرُّعونات والآفات.. ولا شكَّ أن هذا الهدف مشروع
ومطلوب، كيف لا ومدار الشريعة الإسلامية كلها على تزكية النفس والسُّموّ بها إلى
مكارم الأخلاق. ولكن لا يكفي أن يكون الهدف وحده نبيلاً ومشروعاً، بل لا بدَّ أن
تكون السُّبل إليه مشروعة أيضاً. ولا شكَّ أن كثيراً من المرشدين والقائمين على
رعاية الطُّرق الصوفية، يتجاوزون حدود الشريعة الإسلامية في كثير من مناهجهم
وأساليبهم التَّربوية التي يأخذون بها مريديهم، إن بقصد أو دون قصد.. هذه الطرق
تصبح باطلة غير مشروعة في هذه الحال، مهما قيل عن أهدافها المشروعة والنبيلة،
بل كُن على يقين أن الهدف المشروع في ميزان الإسلام لا يتحقق إلاّ من خلال
التَّمسُّك بميزان الإسلام ذاته.
ما نقل عن الجنيد البغدادي والشبلي مما ذكرت (في
سؤالك) كذب عليهما. وقد كان كل منهما مضرب المثل في التمسك بالكتاب والسنة والتحذير
من أفكار وحدة الوجود.
كما قال في كتابه (هذا والدي): كان أبي رحمه الله
يجزم بأن التصوف النقي هو جوهر الإسلام ولبابه وكان يؤكد أن المسلم إذا لم يكن قد
تشرب حقيقة التصوف فقد حبس نفسه في معاني الإسلام ولم يرق صعدا إلى حقيقة الإيمان.
وقال أيضاً : التصوف الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون
مأخوذا من كتاب الله وسنة رسوله، ذلك لأن السعي إلى الوصول إلى ثمرات الإيمان
بالله في القلب واجب، رسمه القرآن وأكدته السنة، ولم يكن رحمه الله يقيم وزنا
لتصوف لم ينهض على أساس من العلم السليم بكتاب الله وسنة رسوله، وكان يرى أن صدق الانفعال
بثمرات الإيمان التي هي حقيقة التصوف ولبه لا يأتي إلا من سعة العلم بالله عز وجل
وبرسوله صلى الله عليهم وسلم وبالشرائع والأحكام التي خاطب الله بها عباده.
وقال حفظه الله أيضا في كتاب (السلفية): التصوف
بمعناه الحقيقي السليم هو لب الإسلام، وجوهره الكامن في أعماق فؤاد الإنسان المسلم
وبدونه يغدو الإسلام مجرد رسوم ومظاهر وشعارات، يجامل بها الناس بعضهم بعضا وهذا
اللباب يتمثل في الرغبة والرهبة إذ تهيمن على قلب المسلم حبا له ومخافة منه فيتطهر
فؤاده من أدران الضغائن والأحقا وحب الدنيا. ولا توقفنك إزاء هذه الحقيقة مشكلة
الاسم، فلقد كان التحلي بهذا اللباب في صدر الإسلام مسمى لا اسم له إلا الإسلام،
ثم سمي فيما بعد بـالتصوف. (بتصرف)
■ الاستاذ
عباس محمود العقاد:
يقول في كتابه (الفلسفة القرآنية): التصوف في
الحقيقة غير دخيل في العقيدة الإسلامية كما قلنا في كتابنا عن أثر العرب في
الحضارة الأوروبية، ومثبوت في آيات القرآن الكريم، مستكن بأصوله، في عقائد صريحة.
■ الدكتور
عبد الحليم محمود (شيخ الأزهر سابقا):
يقول في كتابه (قضية التصوف): التصوف لا يعدو أن
يكون جهادا عنيفا ضد الرغبات ليصل الإنسان إلى السمو أو إلى الكمال الروحي، ليكون
عارفا بالله، وإن الذين يربطون بين التصوف من جانب أو الكرامات وخوارق العادات من
جانب آخر كثيرون، ولكن التصوف ليس كرامات ولا خوارق للعادات.
■أبو الأعلى المودودي:
قال العلامة الكبير الاستاذ أبو الأعلى المودودي
في كتابه مبادئ الإسلام تحت عنوان التصوف: إن علاقة الفقه إنما هي بظاهر الإنسان
فقط، ولا ينظر إلا هل قمت بما أمرت به على الوجه المطلوب أم لا؟ فإن قمت فلا تهمه
حال قلبك وكيفيته، أما الشيء الذي يتعلق بالقلب ويبحث عن كيفيته فهو التصوف.
إن الفقه لا ينظر في صلاتك مثلا إلا هل أتممت
وضوءك على الوجه الصحيح أم لا؟ وهل صليت موليا وجهك شطر المسجد الحرام أم لا؟ وهل
أديت أركان الصلاة كلها أم لا؟ وهل قرأت في صلاتك بكل ما يجب أن تقرأ فيها أم لا؟
فإن قمت بكل ذلك فقد صحت صلاتك بحكم الفقه، إلا أن الذي يهم التصوف هو ما يكون
عليه قلبك حين أدائك هذه الصلاة من الحالة، هل أنبت فيها إلى ربك أم لا؟ وهل تجرد
قلبك فيها عن هموم الدنيا وشؤونها أم لا؟ وهل أنشأت فيك هذه الصلاة خشية الله
واليقين بكونه خبيرا بصيرا، وعاطفة ابتغاء وجهه الأعلى وحده أم لا؟ وإلى أي حد
نزهت هذه الصلاة روحه؟ وإلى أي حد جعلته مؤمنا صادقا عاملا بمقتضيات إيمانه؟ فعلى
قدر ما تحصل له هذه الأمور وهي من غايات الصلاة وأغراضها الحقيقية في صلاته تكون
صلاته كاملة في نظر التصوف، وعلى قدر ما ينقصها الكمال من هذه الوجهة تكون ناقصة
في نظر التصوف. فهكذا لا يهم الفقه في سائر الأحكام الشرعية إلا هل أدى المرء
الأعمال على الوجه الذي أمره به لأدائها أم لا. أما التصوف فيبحث عما كان في قلبه
من الإخلاص وصفاء النية وصدق الطاعة عند قيامه بهذه الأعمال، ويمكنك أن تدرك هذا
الفرق بين الفقه والتصوف بمثل أضربه لك:
إنك إذا أتاك رجل نظرت فيه من وجهتين، إحداهما: هل
هو صحيح البدن كامل الأعضاء؟ أم في بدنه شيء من العرج أو العمى؟ وهل هو جميل الوجه
أو ذميمه؟ وهل هو لابس زسا فاخرا أو ثيابا بالية.
والوجهة الأخرى: إنك تريد أن تعرف أخلاقه،
وعاداته، وخصاله، ومبلغه من العلم والعقل ولاصلاح. فالوجهة الأولى وجهة الفقه،
والوجهة الثانية وجهة التصوف، وكذلك إذا أردت أن تتخذ أحدا صديقا لك، فإنك تتأمل
في شخصيته من كلا الوجهتين، وتحب أن يكون جميل المنظر وجميل الباطن معا، كذلك لا
تجعل في عين الإسلام إلا الحياة التي فيها اتباع كامل صحيح لأحكام الشريعة من
الوجهتين الظاهرة والباطنة.
ثم قال: إنما التصوف عبارة في حقيقة الأمر عن حب
الله ورسوله الصادق، بل الولوع بهما والتفاني في سبيلهما، والذي يقتضيه هذا الولوع
والتفاني ألا ينحرف المسلم قيد شعرة عن اتباع أحكام الله ورسوله صلى الله عليه
وسلم، فليس التصوف الإسلامي الخالص بشيء مستقل عن الشريعة، وإنما هو القيام بغاية
من الإخلاص وصفاء النية وطهارة القلب.
■ جلال
الدين السيوطي رحمه الله:
قال العلامة المشهور جلال الدين السيوطي رحمه اله
تعالى في كتابه (تأييد الحقيقة العلية): إن التصوف في نفسه علم شريف، وإن مداره
على اتباع السنة وترك البدع، والتبري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها
ومراداتها واختياراتها والتسليم لله والرضى به وبقضائه، وطلب محبته واحتقار ما
سواه.. وعلمت أيضا أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم،
فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع، فوجه أهل العلم للتمييز
بين الصنفين ليعلم أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملت الأمور التي أنكرها أئمة
الشرع على الصوفية فلم أر صوفيا محققا يقول بشيء منها، وإنما يقول بها أهل البدع
والغلاة الذين ادعوا أنهم صوفية وليسوا منهم.
■ الشيخ
حسني حسن الشريف حفظه الله :
التصوف عندنا تزكية للقلب، لحفظ لطيفته، كحفظ الطب
للأبدان، حتى يبقى القلب دائما محلاً طاهراً لنظر الله عز وجل.
ذكرنا سابقاً طرفاً من أقوال أكابر العلماء الذين
أجمعت الأمة الإسلامية على إمامتهم وجلالة قدرهم كالأئمة الأربعة وغيرهم ونتابع
الآن ذكر أقوال غيرهم من العلماء ... ليعلم أن هذا العلم العظيم أجمعت الأمة من
خلال جهابذة علمائها على أهميته وفرضية التصوف .
علاقة التصوف بالكتاب والسنة
قال الإمام الجنيد رضــــي الله عنه / 297 / هـ :
" علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنّة " . ويقول أيضاً :
" الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر
الرسول صلى الله عليه وسلم واتبع سنّته ولزم طريقته ، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة
عليه" .
قال الإمام سهل التستري رضي الله عنه / 283 / هـ :
" أصولنا التمسك بكتاب الله تعالى والاقتداء بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
قال إبراهيم النصرآباذي رضي الله عنه / 369 / هـ :
" أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء
والبدع وتعظيم حرمات المشايخ " .
قال الإمام ذو النون المصري رضي الله عنه / 245 /
هـ :
" من علامات المحب لله عز وجل : متابعة الحبيب صلى
الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه " .
قال الإمام سري الدين السقطي رضي الله عنه / 253 /
هـ : " المتصوف لا يتكلم بباطن علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنّة
" . وقال أيضاً : " قليل في سنّة ، خير من كثير
في بدعة ، كيف يقل عمل مع التقوى ؟ ! "
.
وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه /
470 / هـ 561 :
" كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل " .
قال الشيخ أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه 180 –
281 / هـ : " لو نظرتمإلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقى في الهواء فلا
تغتروا به حتى تنظرواكيف تجدونه عند الأمر والنهي والأمر وحفظ الحدود وأداء
الشريعة " .
قال الإمام محمد السلمي رضي الله عنه / 412 / هـ :
" ليس بصوفي من جهل أحكام الله وأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خاتمة
من خلال ما تقدم رأينا كيف أن التصوف لا يتجاوز
بحدوده حدود الشرع قيد أنملة إذ هو العلم والسلوك الداعي إلى التمسك بالكتاب
والسنّة ونبذ البدعة ، واتباع سبيل المؤمنين .. والوصول إلى جوهر الشرع وحقيقته
التي كان عليها سلف هذه الأمة .. وكل ما خالف ذلك ليس بتصوف وإنما هو هوى أو شيء
دس عليه وأقحم فيه والتصوف منه براء وذلك شأن أي علم من العلوم المادية والطبيعية
.. فمثلاً لو رأينا طبيبا يشخّص الأمراض وفق هواه ويصف أدويته مخالفة للعلوم
والمناهج التي درسهافي كلية الطب .. فهل نستطيع أن نوجه انتقادنا واتهامنا إلى
جميع الأطباء وننعتهم بالجهل أو بإلحاق الضرر بالناسأم نقول أن علم الطب ومهنة
الطب صحيحان غير أن هذا الطبيب بعينه هوالمخطئ أو الشاذ عن أصول مهنته
الصحيحةوكذلكم التصوف قد يدخل فيه الجهلة والشذاذ أو المغرضون ، ويتسمون
باسمهزوراً وبهتاناً والتصوف منهم براء ، فيسلكون أو يقولون ما هو مخالفللشريعة
المطهرة ، فهل من الإنصاف أن نجمل الصالح بالطالح ونشمل المحسنمع المسيء بحكم واحد
. ؟
فالمشكلة هنا ليست مشكلة التصوف وإنما الداهية
والمصيبة في هذا الدعي وهذا المغرض
وكم قرأنا معاناة النبي صلى الله عليه وسلم
ومعاناة صحابته من سوءالمنافقين الذين انتشروا بين الصحابة ، وكم دخل بين علماء
الحديث منالمدجلين والوضّاعين وكذلكم المتصوفة تسلل بينهم من المدعين
والمجرمينوالوضّاعينومنهم من حاول تشويه تاريخ رجال الصوفية، ونزع ثقة الناس بهم،
فدَسَّ في كتبهم حوادث وقصصاً من نسج خياله، فيها ارتكاب للمنكرات واقتراف للآثام
والكبائر، كما نجد ذلك كثيراً في الطبقات الكبرى للإِمام الشعراني رحمه الله
تعالى، وهو منها بريء ومنهم المبشِّرون والمستشرقون، وأبواق الاستعمار الذين درسوا
كتبالسادة الصوفية، وكتبوا عنهم المؤلفات لأجل التحريف والتزوير والدس، يقصدون
بذلك أن يطعنوا الإِسلام في صميمه، وأن يسلخوا روح الدين عن جسده، ولقد خُدع بهم
أقوام أرادوا أن يفهموا التصوف من كتب هؤلاء المستشرقين، كأمثال [نكلسون
الإِنكليزي، وجولد زيهر اليهودي، وماسينيون الفرنسي وغيرهم]، فوقعوا في
أحابيلهم،وتسمَّمُوا من أفكارهم، وانجرفوا ولا أدري كيف يثق مسلم صادق بأقوال عدوه
المخادع الماكر ؟
ومنهم السُّذَّجُ الذين يصدقون هؤلاء وهؤلاء،
فيعتقدون بهذه الأمورالمدسوسة ويثبتونها في كتبهم. وكل هذا بعيد عن الصوفية
والتصوف
فإِن قال قائل: إِنَّ ما نسب إِلى الصوفية من
أقوال مخالفة هي حقا من كلامهم بدليل وجودها في كتبهم المطبوعة المنشورة.
نقول: ليس كل ما في كتب الصوفية لهم ؛ لأنها لم
تسْلم من حملات الدس والتحريف. وما أحوجنا إِلى تضافر جهود المؤمنين المخلصين
لتنقية هذا التراث الإِسلامي الثمين ممَّا لحق به من دس وتحريف.
ولو ثبت بطريق صحيح عن بعض الصوفية كلام مخالف
لحدود الشريعة فنقول: ليست كلمة فرد واحد حجة على جماعة، شعارها ومذهبها التمسك
بالكتاب والسنة حتى إِنهم ليقولون: إِن أول شرط الصوفي أن يكون واقفاً عند حدود الشريعة،
وألا ينحرف عنها قيد شعرة. فإِذا هو تخطى هذا الشرط، ووصف نفسه بأنه صوفي، فقد
اختلق لنفسه صفة ليست فيه. وزعم ما ليس له
وإِن من إِضاعة الوقت الثمين الانشغالَ بمثل هذه
التُّرَّهَات والأباطيل المفتراة على هؤلاء القوم في هذه الأوقات التي يوجد ما هو
أهم من المجادلة بها فهي معروفة لدى الصوفية المحققين والعلماء المدققين
وعلينا أن نعرف أن التصوف ليس علماً نتلقاه بقراءة
الكتب ومطالعة الكراريس، ولكنه أخلاق وإِيمان، وأذواق ومعارف، لا ينال إِلا بصحبة
الرجال، الذين اهتدوا بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وورثوا عنه العلم والعمل
والأخلاق والمعارف. وهو علم ينتقل من الصدر إِلى الصدر، ويفرغه القلب في القلب.
لقد شوّه التصوف رجال مغرضون تزيوا بزيه وانتسبوا
اليه فأساؤا اليه باقوالهم وافعالهم وسيرتهم والتصوف منهم براء ..
ويجب ان نفرق بين أدعياء التصوف المنحرفين وبين
السادة الصوفية الصادقين العارفين . وليس المتصوف بإنحرافه وشذوذه ممثلا للتصوف .
كما ان المسلم بأفعاله المنكرة ليس ممثلا لإسلامه ودينه .
اما إنكار بعض الناس على هذا اللفظ لأنه لم يسمع
في عهد الصحابة والتابعين . مردود ، إذ كثير من الاصطلاحات احدثت بعد زمن الصحابة
واستعملت ولم تنكر . كالنحو والفقه والمنطق ... والتصوف هو دعوة إلى تزكية النفوس
وصفاء القلوب وإصلاح الاخلاق والوصول إلى مرتبة الاحسان . وسمي ذلك تصوفا .. وإن
شئت فسمه الجانب الروحي في الاسلام .. او الجانب الاحساني .. او الجانب الاخلاقي
.. او سمه ما شئت مما يتفق مع حقيقته وجوهره .إلا ان اسمه المتوارث بين علماء
الامة هو التصوف .
وقد يتساءل الكثيرون عن السبب في عدم انتشار
الدعوة إلى التصوف في صدر الاسلام وعدم ظهور هذه الدعوة الا بعد عهد الصحابة
والتابعين ؟ والجواب عن هذا : انه لم تكن من حاجة اليها في العصر الاول لان اهل
هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع وارباب مجاهدات وإقبال على العبادة بطبيعتهم وبحكم
قرب اتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم . فكانوا يتسابقون ويتبادرون في
الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في ذلك كله فلم يكن ثمة ما يدعوا إلى تلقينهم علما
يرشدهم إلى امر هم قائمون به فعلا . وإنما مثلهم في ذلك كله كمثل العربي القح يعرف
اللغة العربية بالتوارث كابر عن كابر حتى أنه ليقرض الشعر البليغ بالسليقة والفطرة
دون ان يعرف شيئا من قواعد اللغة ، والاعراب ، والنظم ، والقريض . فمثل هذا لا
يلزمه ان يتعلم النحو ويدرس البلاغة . ولكن علم النحو وقواعد اللغة والشعر تصبح
لازمة وضرورية عند تفشي اللحن وضعف التعبير .. او لمن يريد من الاجانب ان يتفهمها
ويتعرف عليها أو عندما يصبح هذا العلم من ضروريات الاجتماع كبقية العلوم التي نشأت
وتألفت على توالي العصور في اوقاتها المناسبة .
فالصحابة والتابعين وإن لم يتسموا باسم المتصوفين
ـ كانوا متصوفين فعلا وإن لم يكونوا كذلك إسما ـ وماذا يزاد بالتصوف اكثر من ان
يعيش المرء لربه لا لنفسه ويتحلى بالزهد وملازمة العبودية والإقبال على الله
بالقلب والروح في جميع الاوقات . وسائر الكمالات التي حفل بها الصحابة والتابعون
من حيث الرقي الروحي إلى اسمى الدرجات .
فهم لم يكتفوا بالإقرار في عقائد الايمان والقيام
بفروض الاسلام بل قرنوا الاقرار بالتذوق والوجدان . وزادوا على الفروض الإتيان بكل
ما استحبه الرسول صلى الله عليه وسلم من نوافل العبادات وأبتعدوا عن المكروهات فضلا
عن المحرمات حتى استنارت بصائرهم وتفجرت ينابيع الحكمة من قلوبهم وفاضت الاسرار
الربانية على جوانحهم . وكذلك شأن التابعين وتابعي التابعين وهذه العصور الثلاثة
كانت ازهى عصور الاسلام وخيرها على الاطلاق وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( خير القرون قرني هذا فالذي يليه والذي يليه ) كما في الصحيحين .
ان الزهد الاسلامي الحق يسلم إلى الرفعة والعلو
والنباهة والسمو وما كانت تمتد الاعناق وتطمح العيون إلى المسلمين وقتما كانوا
متكيفين بأداب الاسلام : (( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء
بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر
السجود )) هؤلاء ومن على شاكلتهم الزهاد الحق يبتغون فضل الله من مواضعه .
ويستسقون الماء الزلال من منابعه ثم يتدفقون على السيوف وتفيض من بين اصابعهم في
ذات الله الالوف
وما كتبته ما هو إلا نقل وجمع بتصرف وأرجو من الله
أن يجعل هذا خالصا لوجهه الكريم فقد قال البلقيني في محاسن الاصطلاح : إن من جملة
الأمراض الانتفاض من أجل الاعتراض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق